من أدغال لانوس حيث كانت جزر الفوكلاند تحت السيادة الانجليزية ولد طفلٌ صغير مستدير الرأس ترى في ملامحه السهول الأرجنتينية. ترعرع هذا الصغير في أزقة بوينس آيرس.
كان يراوغ كل شيءٍ تماما، يرواغ الفقر والجوع والظلام وبقية اللاعبين. امتلك هذا الطفل قدما يسرى تعد أمهر يسرى شهدها العالم.
كان بعيدًا عن السياسة تمامًا وعن أخبار العالم لا يعرف من خريطة العالم سوى حدود ملعبٍ ترابي صغير في حيّه الصغير، هناك حيث يمارس هوايته المفضلة وهي " مراقصة قتلاه " لكنها هنا كانت رقصةً ترابية. كبر هذا الطفل وأخذ عوده يشتد بينما فتيل النزاع الإنجليزي الأرجنتيني قد شب فتيله.
كانت المناوشات الأرجنتينية تتصاعد حول الجزر والتي تطالب بعودة ملكيتها من السيادة الأنجليزية، لكن القوات الإنجليزية قد أخذت الأمر أكثر جدية حتى نشبت حربٌ بين الطرفين في العام 1982 م وقد استمرت قرابة ال 70 يومًا وشهدت قتلى وجرحى من الجانب الأرجنتني وخلّفت ذكريات مؤلمة جدًا.
بشكل جعل الأرجنتينيين يعلنون استسلامهم وانسحابهم المرير من تلك الجزر. اعتبر الشعب الأرجنتيني تلك الحرب بمثابة الصفعة لشعوب الويتشي، ومن هنا انتقلت العداوة بين الشعبين إلى المستطيل الأخضر وأصبحت لقاءات الأرجنتين وانجلتر بمثابة حربٌ كروية تشتعل قبل أن تبدأ صافرة الحكم.
لقد كان لقاء الأرجنتين بانجلترا والذي يسمى بلقاء سرقة القرن في العام 1966 حيث استضافت انجلترا كأس العالم وفي نصف النهائي طُرِد خلاله القائد الارجنتيني انتوني راتبن بعد تدخله الخشن أمام بوب تشارلتون ومن هنا تم اختراع البطاقات الملونة في كرة القدم.
استمرت العداوة على الصعيد السياسي والكروي حتى التقيا في ربع النهائي لكأس العالم عام 86 في المكسيك حيث حسمها الأسطورة دييغو مارادونا بهدفين وأحرز الهدف الأول بيده واحتسبه الحكم التونسي علي بن ناصر وبعدها أحرز مارادونا هدفًا أُعتبر أجمل هدف في القرن بعد أن تخطى 7 مدافعين انجليز.
ثم أتبعهم حارس المرمى، جُنّ جنون الانجليز واعتبروا مارادونا بل وصفوه باللص والسارق والمخادع، واشتعلت الصحف الانجليزية بالشتائم والسباب على دييغو مارادونا وطالبته بالاعتزال الكروي نظرًا لسرقته وخداعه ولكن الأمر قد تم وطارت به الدنيا والصحف والمعلقين والقنوات التلفزيونية.
كان في الطرف الآخر انتصاراً ساحقًا للأرجنتينيين على الانجليز ونصّبه الشعب الارجنتيني ملكًا على المستديرة. تحدث مارادونا عن هدفه المثير للجدل في كتاب سيرته الذاتية “أنا دييغو” ووصف شعوره وفرحه لحظة تسجيل الهدف ،كما أشار إلى حرب الفوكلاند.
كنا نعلم أنهم قتلوا الكثير من الأطفال الأرجنتينيين هناك. لقد قتلوهم كطيورٍ صغيرة وكان ذلك انتقامنا" وتحدث اللاعب السابق روبرتو بيرفومو عن تتويج الأرجنتين بكأس العالم في 1986 ،ومباراة بلاده أمام إنجلترا حيث قال : “الفوز في تلك المباراة ضد إنجلترا كان كافياً، الفوز بكأس العالم كان ثانوياً بالنسبة لنا. الفوز على إنجلترا كان هدفنا الحقيقي”.
عاش مارادونا خلال مسيرته الكرويّة وبعدها حياةً مليئةً بالاضطراب مابين تورطّه مع مكاتب وعصابات المراهنات تخلّل ذلك انزلاقه في وحل المنشّطات والمخدّرات. عاش بين نجوميةٍ مطلقة على الصعيد الرياضي وبين حياة لهوٍ واضطراب وادمان على الصعيد الواقعي.
واليوم بعد مضي أكثر من 24 عامًا يرحل الأسطورة الأرجنتينية دييغو أرماندو مارادونا بعد أن ملأ العالم صخبًا وضجيجًا وسحرًا ..الآن أستطيع القول بأنه حُقّ للمستديرة أن تدير ظهرها بعد الآن لكل من أتى أو يأتي بعده، لقد رحل الملك المتوّج للساحرة المستديرة ولا أظن سيأتي من يملأ مكانه.
بقلم: خالد بن ابراهيم